29 ديسمبر 2010

" العذاب ليس له طبقة "

الذى يسكن فى أعماق الصحراء يشكو مُر الشكوى لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب
وساكن الزمالك الذى يجد الماء و النور و السخان والتكييف والتليفزيون لو إستمعت إليه لوجدته يشكو مُر الشكوى هو الآخر من سوء الهضم والسكر والضغط
والمليونير ساكن باريس الذى يجد كل مايحلم به ، يشكو الكآبه والخوف من الأماكن المغلقة والوسواس والأرق والقلق.
والذى أعطاه الله الصحة والمال والزوجة الجميلة يشك فى زوجته الجميلة ولا يعرف طعم الراحة .
والرجل الناجح المشهور النجم الذى حالفه الحظ فى كل شيئ لم يستطع أن ينتصر على ضعفه وخضوعة للمخدر فأدمن الكوكايين وأنتهى إلى الدمار.

كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو فى الظاهر من بعد الفوارق
و برغم غنى الأغنياء و فقر الفقراء فمحصولهم النهائى من السعادة والشقاء الدنيوى متقارب .
فالله يأخذ بقدر مايعطى و يعوض بقدر مايحرم و ييسر بقدر ما يعسر ... ولودخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه ورأى عدل الموازين الباطنية برغم إختلال الموازين الظاهرية ... ولما شعر بحسد ولا بزهو ولا بغرور .
إنما هذة القصور والآلئ والحلى والجواهر مجرد ديكور خارجى من الورق اللعب وفى داخل القلوب التى ترقد فيها تسكن الحسرات والآهات الملتاعة ... والحاسدون والحاقدون و المغترون والفرحون مخدوعون فى الظواهر غافلون عن الحقائق
وليس إختلاف نفوسنا هو إختلاف سعادة و شقاء وإنما إختلاف مواقف ....

فهناك نفس تعلو على شقائها وتتجاوزة وترى فيه الحكمة والعبرة وتلك نفوس مستنيرة ترى العدل والجمال فى كل شيئ وتحب الخالق فى كل أفعاله .... وهناك نفوس تمضغ شقائها وتجترة و تحول إلى حقد أسود و حسد أكّال ... وتلك هى النفوس المظلمة المحجوبة الكافرة بخالقها المتمردة على أفعالة .

و كل نفس تُمهِّد بموقفها لمصيرها النهائى فى العالم الآخر .. حيث يكون الشقاء الحقيقى .. أو السعادة الحقيقية .. فأهل الرضا إلى النعيم وأهل الحقد إلى الجحيم .

و اهل الحكمة فى راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم .. وأهل الله فى راحة لأنهم أسلموا إلى الله فى ثقة وقبلوا مايجريه عليهم ورأوا فى أفعاله عدلاً مطلقاً دون أن يتعبوا عقولهم فأراحوا عقولهم أيضاً فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب و راحة العقل فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هى راحة البدن ... بينما شقى أصحاب العقول بمجادلتهم .

أما اهل الغفلة وهم الأغلبية الغالبة فمازالوا يقتل بعضهم بعضاً من اجل اللقمة والمرأة والدرهم وفدان الأرض ، ثم لا يجمعون شيئاً إلا مزيداً من الهموم واحمالاً من الخطايا وظمأ لا يرتوى و جوعاً لا يشبع

فانظر من أى طائفة من هؤلاء انت ... وإغلق عليك بابك و ابكِ على خطيئتك ...

*** من كتاب " أناشيد الإثم والبراءة " لدكتور مصطفى محمود "رحمه الله " ***